النوافل

http://www.3llamteen.com/wp-content/themes/Headlines/thumb.php?src=wp-content/uploads/2012/11/104.gif&w=200&h=200&zc=1&q=90

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد..
لا شك أن الواجبات أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله، وأجر الواجب أعظم من أجر النافلة، فصلاة الفريضة أفضل من نافلتها، وهكذا. فالواجبات أحب إلى الله من النوافل. ومعرفة ذلك مهم للعبد ليعرف أولوياته فيقدم الأهم. فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ »
قال الحافظ ابن حجر: ويستفاد منه أن أداء الفرائض أحب الأعمال إلى الله. لكن النوافل المكملة للواجبات لها كذلك أجرها عند الله تعالى، بل هي -بعد الواجبات- سبب لنيل محبة الجليل سبحانه. ففي تتمة الحديث القدسي : « وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ » رواه البخاري.
• تعريف النوافل
والنافلة في اللغة هي الزيادة، كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ } الإسراء 79 . أي عبادة زائدة على الفريضة.
فما أحرى العبد بأن يكمل طاعته بالنوافل: بالتعرف عليها، وبالمحافظة على أدائها. فمن رحمة ربنا بنا أن بين لنا كيف نعبده، فافترض علينا الفرائض، وبينها لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أكمل بيان، وكان فيها القدوة. ثم لما علم ربنا تقصيرنا في ذلك شرع لنا النوافل وبينها لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أكمل بيان، وكان خيرالهدي فيها هديه صلى الله عليه وسلم.
فضائل النوافل
• أولا : تسد خلل التقصير في الواجبات بإذن الله
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: « إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِن انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ، فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ» رواه الترمذي وصححه الألباني.

وما يدريك إذا عملت الواجب كيف كان أداؤك، وماذا كتب لك؟
عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن الرجل لينصرف -أي من صلاته- وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها » رواه أبو داود وحسنه الألباني. إذاً، هذا من ناحية، أنها تتمم الفرائض.
• ثانيًا : فرصة لأصحاب الهمم العالية لكسب الحسنات ورفع الدرجات في الجنات
فجعل ربنا لكل فريضة ما يقابلها من النوافل، فكان مقابل الصلوات المكتوبة نوافل الصلوات، المقيدة منها والعامة، فقال صلى الله عليه وسلم : «الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر» رواه الطبراني وحسنه الألباني
وقد حاز النبي صلى الله عليه وسلم – كما هي عادته- قصب السبق في ذلك، حتى قال عنه ابن عباس رضي الله عنهما: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس» متفق عليه.
إذاً فالتقرب إلى الله لا يقف عند الفرائض والواجبات، لكن ما يزال العبد يتقرب إلى ربه بالنوافل لينال الثمرة العظيمة وهي محبة الله. فإذا كانت محبتك لله لها شأن عظيم، فكيف إذا أحبك الله العظيم؟ فشأن أن تحِِب، وأعظم منه أن تحَب، كما في الحديث القدسي: « وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه » فإذا أحب الله عبده ما هي الثمرة؟ أخلصه له سبحانه، وكان معه في العون والتأييد، كما قال تعالى : « فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به » فلا يسمع إلا ما يرضي الله، « وبصره الذي يبصر به» فلا يرى إلا ما يرضي الله، « ويده التي يبطش بها»، فلا يمس ولا يأخذ ولا يفعل إلا ما يرضي الله، « ورجله التي يمشي بها» فلا يمشي إلا إلى مرضاة الله، فهنيئا لمن نال محبة الله.
• ثالثًا : نوافل العبادات تدخل العبد بإذن الله في الدائرة الخاصة من عباد الله وهي زمرة المتقين المحسنين ..
فمن دخل في الإسلام كان من المسلمين وكان من المصطفين للإيمان بهذه الرسالة، فإذا فعل الواجبات وترك المحرمات كان في الدائرة الأخص وهي دائرة المؤمنين، فإذا تقرب إلى الله بترك المكروهات وأداء نوافل العبادات دخل في زمرة المتقين، الذين يذكرهم الله تارة بالمحسنين وتارة السابقين وتارة المقربين جعلنا الله منهم.
• رابعًا : فإن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية
قال تعالى: { لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ} الفتح 4، فمن تزود خيرا من طاعات النوافل المستحبات فإن ذلك سبب في زيادة إيمانه.
• خامسًا : إحياءً لسنن النبي صلى الله عليه وسلم فإن في أداء النوافل إحياءً لسنن النبي صلى الله عليه وسلم
فإن أحييت سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلك أجر فعلها، وإن اقتدي بك أو دللت عليها فلك مثل أجر من عمل بها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا» رواه مسلم .
• سادسًا : حسنات النوافل تكفر سيئات المعاصي.
وما أحوجنا إلى تكفير سيئاتنا قبل لقاء ربنا! قال تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }هود114
• سابعًا : المحافظة عليها تحمي الواجبات فإن نوافل العبادات تحمي واجباتها.
فمن كان محافظا على النوافل متعاهدها كان على الفرائض والواجبات أكثر محافظة وتعاهدا.
• ثامنًا : الابتعاد عن البدع
فإن نوافل العبادات والانشغال بها تغني عن الدخول في البدع. فلو حافظ العبد على جميع السنن لشغلت حياته كلها، ولم يعد له مجال أو حاجة لابتداع طرق جديدة لعبادة الله. فلو تعرف الإنسان على ما يرضي الله من الأقوال والأفعال من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عبد الأشجار والأحجار، ولما قصد التقرب بالطبل والمزمار!
• المسارعون الى الخيرات
إن سلفكم الصالح من الصحابة والتابعين إذا جاءهم الأمر بالقربات ما كانوايسألون أهي نوافل أم واجبات، بل كانوا يبادرون ما استطاعوا، ويؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون { أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } المؤمنون 61 ، فيجتهدون ما استطاعوا اقتداء بحبيبهم صلى الله عليه وسلم الذي كان يقوم حتى ترم قدماه أو ساقاه فيقال له: أتتكلف هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول صلى الله عليه وسلم : « أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ » متفق عليه .
• عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان إذا هدأت العيون قام فيسمع له دوي كدوي النحل.
• عن طاووس رحمه الله أنه إذا اضطجع على فراشه يتقلى كما تتقلى الحبة في المقلاة، ثم يقوم ويصلي، ويقول: طير ذكر جهنم نوم العابدين ! .
• وروي أنه كان لأحد السلف الحسن بن صالح جارية ، فباعها إلى قوم، فلما كان جوف الليل قامت الجارية فقالت: يا أهل الدار، الصلاة ! الصلاة ! فقالوا: أأصبحنا؟ أطلع الفجر؟ فقالت: وما تصلون إلا المكتوبة؟ قالوا: نعم ! فرجعت إلى سيدها الأول فقالت: بعتني إلى قوم لا يصلون إلا المكتوبة ؟ ردني ! فردها. ولكم أن تقارنوا ذلك مع حالنا اليوم والله المستعان.
وقبل الختام
فلا بد أن تحاط هذه النوافل والأعمال الخيرة بسياج من الأخلاق، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن امرأة كثيرة العبادة لكنها سيئة الخلق، لم تشفع لها أعمالها في النجاة من النار!
فعن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: « قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة يُذكرُ من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها. قال: هي في النار. قال: يا رسول الله، فإن فلانة يُذكرُ من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وأنها تتصدق بالأثوار – يعني القطع- من الأقط ولا تؤذي جيرانها. قال: هي في الجنة » رواه أحمد وصححه الألباني .
فتقربوا بالطاعات إلى الله، واحفظوها بالإحسان إلى خلق الله.
• مع سماحة الشيخ
قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله :النوافل جميعاً يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها، مثل صوم الاثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وسنة الضحى، والوتر، ولكن يشرع للمؤمن أن يواظب ويحافظ على السنن المؤكدة؛ لما في ذلك من الأجر العظيم والثواب الجزيل، ولأن النوافل يكمل بها نقص الفرائض. والله الموفق.
مجموع فتاوى و مقالات متنوعة الجزء الخامس عشر